2009/08/14

الشعوب القديمة، وتسجيل الأعداد

الشعوب القديمة، وتسجيل الأعداد

تتابعت البحوث الأثرية، في تاريخ تسجيل الأعداد، بحثاً في كهوف إنسان قبل التاريخ، في أوروبا وأفريقيا وآسيا. ترجع أقدم التسجيلات إلى قدماء المصريين، وقدماء السومريين والبابليين، والصينيين، أي إلى 3500 ق.م. وعند فحص هذه التسجيلات، نفاجأ بالشبه الكبير في المبادئ، التي استخدموها، ولا شك أنه كانت هناك وسائل اتصال ما بين هؤلاء القدماء، رغم بُعد المسافات، التي تفصل بينهم. ولقد طوَّروا وسائل العد عندهم، باستخدام أسهل الأساليب(*)، من الحصى، إلى الأصابع، إلى العصا ذات الحزّات، وهي علامات تمثل الأعداد إلى 9، ثم علامات أخرى للدلالة على العشرات، والمئات. ولعل عصا العد الإنجليزية ـ التي لا يُعرف أصلها تحديداً ـ ترجع إلى تلك العصور. وكانت كل حزَّة من الحزات الصغيرة تمثل جنيهاً إنجليزياً، والحزَّة الكبيرة تمثِّل 10 جنيهات، والأكبر منها تمثل 100 جنيها، وهكذا(*). ومن العجيب أن هذه العصا الإنجليزية ظلَّت تُستخدم، عدة قرون، بعد ظهور نظام العد الحديث، مما كان يثير ضيق وتبرُم عدد كبير من المثقفين الإنجليز. ومع ذلك ظلت تلك العصا تُستخدم إلى عام 1826، وقد عثر في عام 1834 على مجموعات كبيرة منها.

حريق في مجلس اللوردات والعموم

صدر الأمر من مجلس اللوردات، ومجلس العموم، بحرق مخازن العصى سراً، في فرن خاص، ملحق بمجلس اللوردات، وعندما تم الحرق، زادت النيران، وامتدت ألسنة اللهب إلى مبنيي المجلسين، فأتت عليهما، ومن ثم بدأ تشييد مبنيين جديدين، ويقول تشارلز ديكينز: "وقد أنفقنا الآن نحو مليونين تكلفة لذلك "!

آلات حاسبة قديمة:

تنوعت الأدوات القديمة، غير العصى؛ فكانت أحياناً مجرد خطوط تُرسم على الرمال، أو على لوحة للعدّ تُرسم عليها علامات بمادة تشبه الطباشير، أو إطار خشبي به أسلاك، عليها خرزات ملونة، وغير ملونة. كان السلك الأول من اليمين يمثل الآحاد، والثاني يمثل العشرات، وما يليه يمثل المئات، وهكذا. ويمكن كتابة أي عدد على هذا "العداد" باستخدام الخرزات على الأسلاك؛ فالعدد 6017 يمكن تمثيله بوضع 7 خرزات على سلك الآحاد، وخرزة واحدة على العشرات، ويُترك سلك المئات خالياً، و6 خرزات على سلك الآلاف. كما استخدم العداد في إجراء العمليات الحسابية؛ ففي حالة الجمع تُحسب الخرزات التي على كل سلك. وكلما تجمعت عشرة منها على أحد الأسلاك تُؤخذ، وتُوضع بدلاً منها خرزة واحدة على السلك الذي يليه، من جهة اليسار. وما زال بعض الصينيين واليابانيين يستخدمون نوعاً صغيراً من العداد في جميع معاملاتهم التجارية، وهم يجرون به العمليات العددية المختلفة بسرعة كبيرة، وسهولة تامة.

الحساب ونشأته:

وثمة صعوبة كبيرة في تتبع بداية علم الحساب، وتطوره، وليس، بين ثنايا التاريخ، سجل واضح محدَّد يهدينا لبداية علم الحساب، ونشأته، وتطوره، أو يقدم لنا أسماء معينة، كان لها الفضل في اختراعه. وكل ما في الأمر، أن أقدم سجلات التاريخ كشفت لنا عن نظم عددية معينة، ولكنها لم تحدد مراحل تطورها، أو تكشف لنا عن أصل كلٍ منها؛ أي أننا، إذا تصفَّحنا قصة الأعداد، وقسَّمناها إلى أجزاء، فإننا لا نجد شخصاً معيناً، في يوم معلوم، ومكان معلوم، قد اخترع أداة التفكير العددي، التي نستخدمها الآن.

تحدثنا صفحات التاريخ عن نظم عددية مختلفة، ارتبط كلٌ منها بحضارة من الحضارات القديمة، إلا أن كلاً من هذه الحضارات كانت تضع لبنة، أو لبنات في بناء هيكل علم الحساب، إلى أن تميَّز النظام العددي، الذي ساد العالم المتحضر، بل أصبح لغة عالمية واحدة، لم تصل اللغات بعد إلى ما يشبهها.

كان للشعوب البدائية عدة طرق لتسجيل الأعداد القليلة التي يحتاجونها. كان بإمكان الراعي أن يجمع عدد الخراف في القطيع بحيث تمثل الحصاة الواحدة خروفاً واحداً. وكان الكيس من الحصى يعني كامل القطيع. وبمقارنة الحصى مع القطيع، يتمكن الراعي من معرفة إن كان أحد الخراف مفقوداً. ويطلق علماء الرياضيات على هذا النوع من المقارنة علاقة واحد إلى واحد.

وفيما بعد طور الناس طرقاً أخرى لتسجيل أعداد الأشياء التي يمتلكونها، فقاموا بربط عقد في حبل جلدي أو قاموا بخدش علامة تسجيل على جانب صخرة، ومن ثم قاموا بمقارنة العقد أو العلامات مع كل شيء على حدة. ثم لجأ الناس إلى استخدام الكلمات للتعبير عن شيئين، وللتعبير عن أربعة أشياء استخدموا اسم فاكهة تنمو في عنقود من أربع ثمرات. واستخدموا كلمة يد للتعبير عن 5 أشياء. وقد ظهرت هذه العلاقة بين الأعداد والأسماء في لغات بدائية عديدة حيث أثبتت بداية تفكير الناس في الأعداد. لقد ميزوا فكرة الثلاثية لمجموعة تحتوي على ثلاثة أشياء سواءً كانت هذه الأشياء سمكاً أو حصى أو علامات تسجيل.

وأخيراً، شرع الناس في العد عن طريق وضع الأسماء الممثلة للأرقام في ترتيب معين، فنطقوا أو كتبوا الكلمة التي تعني واحداً ثم الكلمة التي تعني اثنين، ثم الكلمة التي تعني ثلاثة، وهكذا.

ومع مرور الوقت، طورت الشعوب في أنحاء مختلفة من العالم أنواعاً عديدة من أنظمة العد، بعضها اعتمد على الخمسة كأساس، وبعضها على العشرة، بل إن بعضها اعتمد كأساس على الاثني عشر أو الستين. وما زلنا إلى يومنا هذا نستخدم بعض هذه القياسات المأخوذة من هذه الأنظمة مثل الـ 12 بوصة في القدم، والـ 60 دقيقة في الساعة.

وفي معظم أنظمة الترقيم القديمة، كان الناس يصيغون الأعداد بمجرد تكرار الرموز الأساسية، وإضافة قيمها ليحصلوا على العدد المطلوب. وقد اتبع المصريون والإغريق والرومانيون أنظمة عدّ من هذا القبيل. أمّا العرب فقد اتبعوا نظاماً للترقيم متفوقاً على سائر الأنظمة الأخرى، وهذا النظام اعتمد على مبدأ قيمة الخانة واستخدموا رمزاً يعني لا شيء أو الصفر. وأصبح هذا النظام نظام العد العشري المتبع في معظم أنحاء العالم.

ليست هناك تعليقات: