2009/08/14

الأرقام عند الهنود القدامى

خامساً: الأرقام عند الهنود القدامى

أدلى الهنود بدلوهم، وأحدثوا طفرة في علم الحساب، ويذكر المؤرخون بكل تقدير واحترام اسم الرياضي الهندي (أريابهاتا) ـ أعظم الرياضيين والفلكيين الهنود ـ الذي ترك قصائد شعرية رياضية تناولت المعادلات الرياضية، وحساب المثلثات، وتقدير النسبة التقريبية (ط) في استخراج مساحة الدائرة. ففي الحساب والجبر يعطى أريابهاتا قواعد لحساب القوى، والجذور، والمتواليات العددية، ومجموع مربعات الأعداد المتوالية، ومجموع مكعباتها، وحل المعادلات التربيعية. وفي الهندسة نجد بضع قواعد لحساب المساحات والحجوم. وفي كتابه مبادئ للمثلثات.

ومن أطرف ما في كتاب أريابهاتا الطريقة التي يشرحها للترقيم. وجدير بالذكر هنا أن الهنود أخذوا الطريقة البابلية الستينية في الترقيم. ولكنهم، في أراجيزهم (أي أناشيدهم)، يذكرون الأعداد بالألفاظ. إلا أن أريابهاتا يرمز إلى الأعداد من 1 إلى 25 ثم 30، 40 إلى 100 بحروف صوتية. ويستعمل حرف الألف والياء لتمييز المنازل، فيستعمل الألف للدلالة على الآحاد والعشرات، والياء للدلالة على المئات والألوف.

كما تناول أسباب ظاهرتي الكسوف والخسوف، والفصول الأربعة، وكروية الأرض، ودورانها حول محورها كل يوم وليلة. وجاء بعده خلفه (برهما جوبتا) الذي أرسى النظام العشري للأعداد.

ويبدو أن العرب قد أخذوا الأرقام عن الهند، فإننا نرى الأرقام العربية منقوشة على صخرة تسمى "صخرة المراسيم"، التي خلَّفها الكاهن أشوكا (عام 256 ق.م)، أي قبل استخدامها في الكتابات العربية بنحو ألف عام. ومن المسائل الطريفة التي وردت في نقوش الهند القديمة ما يلي:

* هناك خلية من النحل، وقف خُمسها على زهرة كادامبا، ووقف ثُلُثُها على زهرة سلنذرة، وطار ثلاثة أمثال الفرق بين هذين العددين فوقف على زهر الكوتاجا، وبقيت نحلة واحدة تحوم في الهواء، فانبئيني أيتها الفتاة الفاتنة الجمال، كم عدد النحل كله؟

وقد عرف الهنود الأعداد التامة والمتحابة من قبل فيثاغورس. وهناك قصة من تراثهم عن أمير مجموع حروف اسمه يساوي 284، كان يبحث عن عروس مجموع حروف اسمها يساوي 220، معتقداً أن هذا هو ضمان السماء له بالسعادة معها.

وقد ظل الهنود يستخدمون نظاماً للترقيم شبيهاً بالنظام الصيني حتى عام 300 ق.م حين توصلوا إلى نظامهم العشري. والأسباب الحقيقية والكيفية، التي توصل بها الهنود إلى ذلك، يلفها الغموض. ويذهب البعض إلى أن الأرقام من 4 إلى 9 في أشكالها الأصلية، التي تعود إلى القرن الثالث ق.م، قد اشتقت من أحرف مقابلة لها في الأبجدية الهندية، وتسمى البكترياBactria " وهو اسم قديم لمنطقة في شمال الهند". أمّا الأرقام الثلاثة الأولى من 1 إلى 3، فالمرجح أنها جاءت من سحبة القلم مرة، ومرتين، ثلاث مرات، أو أنها محاكاة للأصابع. بينما يرى البعض الآخر أن الأرقام الهندية قد اشتقت من الأحرف العشرة الأولى في الأبجدية الآرامية القديمة، التي اقتبسها الهنود، مع الأبجدية، مع النظام العشري، من البابليين، وذلك في نحو عام 405 ق.م . وهذا الرأي ليس ببعيد، فقد ذكر ابن النديم (في كتاب الفهرست ـ 30) أن علماء المشرق تشتتوا بعد غزو الاسكندر لبلادهم، وذهب بعضهم إلى الهند، واستقر بها".

واخترع الهنود، في الحساب، طرقاً متنوعة فيها ابتكار وطرافة. وكان الدافع إليها التسلية والمتاع العقلي، فعرفوا المتواليات العددية، وتفننوا في المربعات السحرية. ووصلوا إلى معادلات الدرجة الثانية، وعرفوا العلاقات بين الأقطار والأضلاع في المربعات والمستطيلات، والأحجام، والمساحات.

قصة تتعلق ببراعة الهنود في الحساب:

* برع كثير من علماء الهند في الحساب، وعرف بعضهم الأعداد المتناهية في الكبر، ومن ذلك ما روته أسطورة قديمة أن الملك شرهام، ملك الهند، أراد أن يكافئ وزيره سيسيا، البارع في الحساب، لاختراعه لعبة الشطرنج، وإهدائها له، وكانت رغبة الوزير الماكر تبدو متواضعة للغاية، فقد ركع أمام الملك، وقال: "مُر لي يا مولاي بحبة قمح واحدة توضع على المربع الأول من رقعة الشطرنج، وبحبتين على المربع الثاني، وأربع حبات على المربع الثالث، وثمان على الرابع، وهكذا تُضاعف لي العدد عند كل مربع تال، حتى تغطى مربعات الرقعة الأربعة والستين".

قال الملك وهو يخفي سروره، لأنه تصور أن ما يطلبه الوزير لن يكلف خزائنه كثيراً: "لقد أوتيت سؤلك يا عبدي المخلص". ثم أمر الملك بإحضار جوال كبير من القمح، ولكن عندما أخذ في عد الحبوب، حسبما طلب الوزير، نفذ الجوال قبل عد ما يكفي للمربع العشرين، فأخذ رجاله يحضرون الأجولة، تلو الأجولة، حتى بدا واضحاً أن الملك لن يستطيع أن يفي بوعده لوزيره، حتى لو جمع محصول الهند من القمح، إذ كان يحتاج، ليفي بوعده، إلى
1 + 2 + 2 2 + 2 3... + 2 62 + 2 63 أي 18.446.744.073.709.551.615 حبة قمح!! وهذا العدد، لو أننا حسبنا متوسط محصول العالم كله من القمح، في العام، لوجدنا أن حبات القمح، التي التمسها الوزير، تعادل محصول العالم كله لمدة ألفي سنة تقريباً !!!

وقد اتصل العرب بالهند، وأخذوا عنهم الكثير، وأعجبوا بهم إعجاباً هائلاً، قال الجاحظ: "ولولا خطوط الهند لضاع من الحساب الكثير والبسيط، ولبطلت معرفة التضاعيف،... ولصار الناس في حال معجزة وحسور، وإلى حال مضيعة، وكلال حد".

وقال أيضاً: "وأمّا الهند فوجدناهم يُقدمون في النجوم والحساب، ولهم الخط الهندي خاصة، ويُقدمون في الطب، ولهم أسرار الطب وعلاج فاحش الأدواء خاصة، ولهم خرط التماثيل...، ولهم الشطرنج، وهو أشرف لعبة، وأكثرها تدبيراً وفطنة، ولهم السيوف، وهم ألعب الناس بها، وأحذقهم ضرباً بها..، ولهم السحر،... ومن عندهم خرج الفكر، وما إذا تُكلِّم به على السم لم يضر، وأصل حساب النجوم من عندهم أخذه الناس خاصة".

وقال صاعد بن أحمد: "الهند أمة كثيرة القدر، عظيمة العدد، فخمة الممالك، وقد اعترف لها بالحكمة، وأقر لها بالتبرُّز في فنون المعارف، جميع الملوك السالفة، والقرون الماضية، فكانت الهند عند جميع الأمم، على مر الدهور، معدن الحكمة وينبوع العدل والسياسة.. وقد ألحقوا بعلوم الأعداد صناعة الهندسة، ونالوا الحظ الأوفى في معرفة حركات النجوم، وأسرار الفلك، وسائر العلوم الرياضية.. وأشهر مذاهبهم في الرياضيات، مذهب السند هند، الذي تقلَّده جماعة من أهل الإسلام، وألفوا فيه الأزياج (أي الكتب) كمحمد بن إبراهيم الفزاري، ومحمد بن موسى الخوارزمي، والحسين بن محمد، المعروف بابن الآدمي،.. وتفسير السند هند "الدهر الداهر". ومما وصل إلينا من علومهم في العدد حساب الغبار، الذي بسطه أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي، وهو أوجز حساب، وأخصره، وأقربه تناولاً، وأسهله مأخذاً، وأبدعه تركيباً، يشهد لأهل الهند بذكاء الخواطر، وحسن التواليد، وبراعة الاختراع" .

وكتاب السند هند، هو كتاب جامع لعلم الأفلاك والنجوم والحساب، وغير ذلك من أمور العالم. وهو يتكون من 24 باباً، وقد أُلِّف في سنة 7هـ، وجاء به رجل من وفد أهل السند، الذين قدموا إلى بغداد في سنة 154هـ .

وذكر صاعد بن أحمد أنه قدم على الخليفة أبي جعفر المنصور، في سنة ست وخمسين ومائة، رجل من الهند عالم بالحساب المعروف بالسند هند في حركات النجوم، مع تعاديل معلومة على كردجات (جداول) محسوبة لنصف نصف درجة، مع ضروب من أعمال الفلك، في كتاب يحتوي على اثنى عشر باباً، وذكر أنه اختصره من كردجات منسوبة إلى ملك من ملوك الهند يسمى قبغر، فأمر المنصور بترجمته إلى اللغة العربية، وأن يُؤلَّف منه كتاب تتخذه العرب أصلاً في حركات الكواكب، فتولى ذلك محمد بن إبراهيم الفزاري، وعمل منه كتاباً يسميه المنجمون بالسند هند الكبير،… فكان أهل ذلك الزمان يعملون به إلى أيام الخليفة المأمون، فاختصره أبو جعفر بن موسى الخوارزمي، وعمل منه زيجه المشهور ببلاد الإسلام، وعدَّل فيه،.. واخترع فيه من أنواع التقريب أبواباً حسنة،.. فاستحسنه أهل ذلك الزمان، وما زال نافعاً عند أهل العناية بالتعديل إلى زماننا هذا".

وفي فصل، عنوانه "وجوه الحسابات" من كتاب "مفاتيح العلوم" تحدث أبو عبدالله الخوارزمي عن حساب الهند فقال إن قوامه تسع صور (أي تسعة أرقام من 1 إلى 9) يُكتفى بها في الدلالة على الأعداد إلى مالا نهاية له، وأسماء مراتبها أربعة، وهي الآحاد، والعشرات، والمئون، والآلاف، فالواحد يقوم مقام العشرة، ومقام مائة، ومقام ألف، ومقام عشرة آلاف، وألف ألف، ومائة ألف ألف، إلى مالا نهاية من العقود".

ويتميز الحساب الهندي بأنه يضع الأرقام، التي تُجرى فيها العمليات الحسابية، بعضها فوق بعض، ثم يجري العمليات المطلوبة. وهذه العمليات قد تُجرى على تخت (لوح)، أو على الرمل، ولذلك يسمى أحياناً حساب التخت، أو حساب "الرمل"، تمييزاً على حساب "اليد". وطريقته تيسر العمليات الحسابية كثيراً. وأقدم الكتب المؤلَّفة التي وصلتنا في الحساب الهندي، هو كتاب "الفصول في الحساب الهندي" لأحمد بن إبراهيم الاقليدس (عام 332هـ). وذكر ابن النديم في كتابه الفهرست عدداً من الكتب، التي عنوانها "حساب الهند" أُلِّفت في أواخر القرن الثالث، وأوائل الرابع، الهجريين، منها:

ليست هناك تعليقات: