2010/07/02

*نظرية العدد

*نظرية العدد


تعتمد نظرية العدد كما أوضحها العلماء المسلمون على فكرة الوحدانية أو التوحيد بالله عز وجل. ومن ذلك قولهم في الأعداد أن لها خواص فما من عدد إلا وله خاصية أو عدة خواص. ومعنى الخاصية أنها الصفة الخاصة بالموصوف الذي لا يشاركه فيها غيره.
وأهم ما يذكر في مجال خواص الأعداد هو إفرادهم العدد (1) بخاصية الانفراد والشمولية فهو أصل العدد ومنشؤه وبه يبدأ العد فهو يعد العدد كله الزوجي والفردي معا. ومن خواص العدد (2) أيضا أنه أول العدد مطلقا وبه يبدأ العد للأرقام الزوجية دون الفردية. ومن خواص العدد (3) أنه أول عدد فردي وهو يعد ثلث الأعداد تارة والأزواج تارة أخرى. ومن خواص العدد (4) أنه أول عدد مجذور (له جذر) وجذره اثنين عدد صحيح.
ومن العلماء المسلمين الذين نادوا بخاصية الوحدانية للعدد (1) كان الكندي فهو يرى أن العدد (2) يمثل وحدة، لأنه مركب من 1+1 غير أن الواحد هنا ركن العدد(2) وليس عددا. والركنية عند الكندي هو ما يركب الشيء منه، كالحروف بالنسبة للكلام، أو الطوب بالنسبة للبيت. فالعدد 5 عبارة عن 3+2 ، فالثلاثة ركن الخمسة أي أن الخمسة مركبة من ركنين هما: ثلاثة واثنان. والثلاثة عدد، وكذلك الاثنان.
بمعنى آخر: الأعداد مركبة من أعداد، أي أنها تتكون من الوحدانيات. وهذا يصح بالنسبة لجميع الأعداد إلا العدد (1) الذي هو ركن في أي عدد وليس عددا وسبب ذلك أن جميع الأعداد مركبة، فيما عدا الواحد فإنه بسيط. ويشير الكندي إلى ذلك فيقول: "وقد يظن أن الواحد ركن الاثنين... وهذا الظن غير صادق، لأن الاثنين مركب والواحد وإن كان ركن الاثنين فليس له ركن فهو ليس مركب".
ويحاول الكندي نفي صفة العددية عن الواحد فيقول:- "لأنا إذا قلنا إن الواحد عدد نظن أنه تلحقنا من ذلك شناعة قبيحة جدا، لأنه إن كان الواحد عددا، فهو كمية ما. وإن كان الواحد كمية، فخاصة الكمية تلحقه وتلزمه، أعني أنه مساو ولا مساو له". ثم يستطرد "فإن كان الواحد أوحاد بعضها مساوية له، أو بعضها لا مساوية له، فالواحد منقسم، لأن الواحد الأصغر يعد الواحد الأكبر أو يعد بعضه، فالواحد الأكبر بعض، فهو منقسم".
أما إخوان الصفا فهم يعرِّفون الواحد بأنه هو "كل ما لا ينقسم، وإن شئت قلت: ال واحد ما ليس فيه غيره، بما هو واحد... والواحد بالوحدة كما أن الأسود بالسواد، والوحدة صفة للواحد، كما أن السواد صفة للأسود".
والكثرة عند إخوان الصفا هي جملة الآحاد وأول الكثرة الاثنان، ثم الثلاثة ثم الأربعة ثم الخمسة، والكثرة إما عدد وإما معدود، والفرق بينهما أن العدد إنما هو كمية صور الأشياء في نفس العد، وأما المعدودات فهي الأشياء نفسها، وأما الحساب فهو جمع العدد وتفريقه. والجمع هو إضافة الواحد إلى واحد آخر بالتزايد حتى تصل إلى متسلسلة الأعداد المعروفة، والطرح هو خصم واحد من سلسلة الأعداد حتى نصل إلى الواحد الذي لا جزء له ألبتة.
أما الكسور فإنها تنشأ أيضا من الواحد بنسبته إلى الاثنين مثلا فيقال له عند ذلك نصف، وإذا أشير إليه من جملة الثلاثة فيقال له الثلث وهكذا. ومراتب العدد الكسور عند إخوان الصفا كثيرة "لأنه ما من عدد صحيح إلا وله جزء أو جزءان أو عدة أجزاء كالاثني عشر فإن له نصفا وثلثا وربعا وسدسا ونصف سدس... إلا أن العدد وإن كثرت مراتبه وأجزاؤه فهي مرتبة تحت بعض، ويشملها كلها عشرة ألفاظ لفظة منها عامة مبهمة، وتسعة مخصوصة مفهومة، ومن التسعة الألفاظ لفظة موضوعة، وهي النصف، وثمانية مشتقة وهي الثلث من الثلاثة والربع من الأربعة... والعشر من العشرة، وأما اللفظة العامة المبهمة فهي الجزء لأن الواحد من أحد عشر يقال له جزء من أحد عشر وكذلك من ثلاثة عشر..."
ويذهب إخوان الصفا إلى القول بأن الواحد من الأعداد هو أصل كل الأعداد، وعنه تصدر بالتكرار فيقولون: "واعلم أن الباري -جل ثناؤه- أول شيء اخترعه وأبدعه من نور وحدانيته جوهرا بسيطا يقال له العقل الفعال، كما أنشأ الاثنين من الواحد بالتكرار. ثم أنشأ النفس الكلية من نور العقل، كما أنشأ الثلاثة بزيادة الواحد على الاثنين. ثم أنشأ الهيولى الأولى من حركة النفس، كما أنشأ الأربعة بزيادة الواحد على الثلاثة ثم أنشأ سائر الخلائق من الهيولى ورتبها بتوسط العقل والنفس، كما أنشأ سائر العدد من الأربعة، بإضافة ما قبلها إليها كما مثلنا من قبل".
ونسبة الباري -جل ثناؤه- من الموجودات كنسبة الواحد من العدد عند إخوان الصفا، ذلك "فكما أن الواحد أصل العدد ومنشأه وأوله وآخره، كذلك الله عز وجل، هو علة الأشياء وخالقها وأولها وآخرها، وكما أن الواحد لا جزء له ولا مثل له في العدد، فكذلك الله، جل ثناؤه، لا مثل له في خلقه، ولا شبه، وكما أن الواحد محيط بالعدد كله وبعده، كذلك الله جل جلاله، عالم بالأشياء وماهيتها..."

ليست هناك تعليقات: