2011/04/11

*
الكندي (185-252هـ / 801 -867م)

أبو يوسف يعقوب بن إسحاق، فيلسوف وطبيعي وكيميائي وفلكي وموسيقي ورياضي اشتهر في (القرن الثالث الهجري - التاسع الميلادي). كتب اسمه بأحرف من ذهب في مجال الفلسفة حتى عرف باسم "فيلسوف العرب". ولد بالكوفة لأسرة عربية أصيلة تمتد أصولها إلى قبيلة كندة. وكانت أسرته ثرية، فكان أبوه حاكما لإمارة الكوفة أيام الخليفة محمد المهدي وولديه الهادي والرشيد، وكان يمتلك أراض خاصة به في البصرة .
توفي والد الكندي وهو ما يزال صبيا فنشأ الكندي يتيما، إلا أنه رأى آثار أبهة الإمارة، وورث بالكوفة بيتا كان من أفخم الدور، ثم انتقل إلى بغداد حيث تعلم الفلسفة وما يتصل بها من علوم طبيعية ورياضية. ولما كانت هذه العلوم في أيدي فئة قليلة من السريان فقد عكف على أخذها من أصولها فتعلم اللغتين اليونانية والسريانية، إلا أنه لم يكن يترجم عنها بنفسه، بل كان يعالج ترجمة النقلة ويصلحها. كما درس العلوم الشرعية فأخذ الفقه عن الإمام أبي حنيفة والقضاء عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى. ثم انتقل الكندي إلى بلاط المأمون والمعتصم، فنال حظا كبير باطلاعه على العلوم المختلفة، وقد انفرد الكندي عن كل فلاسفة عصره بمحاولاته الجريئـة في الجمع بين أصول الفقه والعلوم العقلية، والتي مكنته من كتابة رسالة في التوحيد مبنية على طرق أهل المنطق.
قرب المعتصم بالله الخليفة العباسي الكندي، وكان معجبا بسعة علمه وتعدد معارفه، وعهد إليه بتأديب ابنه أحمد، وقد أهدى للمعتصم كتابه الأول المؤلف في الفلسفة، كما أهدى لابنه أحمد كتبا عديدة من مؤلفاته. ولقد عاش الكندي في دار الخلافة فعمل في خدمة الخلفاء وعلاجهم، واستطلاع التوقعات الفلكية لهم، كما عمل في ديوان الخراج، ونظرا لسعة معارفه فكان يجلس أيضا لمنادمتهم. ولقد ساعدته حياته في كنف الخلفاء على جعله أرسطقراطيا في حياته وفي مجالسه وفي تفكيره، وهذا ما جعل عددا كبيرا من كتاباته العلمية تخدم اهتمامات بلاط الخلافـة مثل رسالته في صناعة الزجاج ، والجواهر ، والعطور ، والموسيقى .
ولقد حافظ الكندي على مركزه في بلاط خلفاء سامراء، فكان يحضر المجالس العلمية التي اعتاد الواثق بالله أن يعقدها ويحضرها كبار الأط باء والفلاسفة، ثم جاء الخليفة المتوكل بعد الواثق فقرب الكندي إليه وقدمه في بلاطه، مما أثار عليه حسد الإخوة بني موسى ، إذ كان يعز أن يتفوق عليهم غيرهم في بلاط الخليفة. فسعوا في الوشاية به لدى الخليفة المتوكل، مما ترتب عليه أن صادر الخليفة مكتبته، والتي يعتبرها الكندي أكبر مصيبة حلت به في حياته كلها، وقد شاء الله أن أعيدت له المكتبة مرة أخرى.
لكن الكندي لم يعد إلى سابق عهده في قصر الخلافة، فمات بعد سنوات قليلة مجهولا مغمورا بعد أن عاش ما يقرب من سبعين سنة. وذكر في وفاته إنه كان يشكو ألما في ركبتيه وكان يعالج ذلك بالشراب العتيق، ولما كف عن تناول استخدام شراب العسل لم ينفعه، فقوي المرض عليه فأوجع العصب وجعا شديدا، فأتى الألم إلى الرأس والدماغ فكان سبب موته.
وتتركز شهرة الكندي في حقيقة أنه كتب في شتى فروع المعرفة، فقد صنف في الفلسفة، والسياسة، والأخلاق، والرياضيات، والبصريات، والموسيقى، والفلك، والجغرافيا، والمعادن، والكيمياء، والهندسة، والطب، وعلم النفس. وقد أودع جميع مؤلفاته في مقالات ورسائل وصلت في مجموعها إلى (250) مؤلفا. ولكن مما يؤسف له أنه لم يصلنا معظمها، وإنما وصلنا بعض رسائله في الفلسفة، وفي الطبيعيات، والموسيقى.
كمال الدين بن يونس (551-639هـ / 1156 -1242م)

أبو عمران كمال الدين بن موسى بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك العقيلي الشهير بكمال الدين بن يونس، عالم رياضي وفلكي اشتهر في القرنين الخامس والسادس الهجريين / الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين. ولد في مدينة الموصل حيث ترعرع في بيت علم، ودرس العلوم الشرعية على والده حتى أتقنها وصار علَّامة فيها.
زار كمال الدين بغداد وبقي فيها مدة من الزمن، لتلقي العلم على كبار علماء العلوم التجريبية. وعندما تفنن في علم الفلك والعلوم الرياضية عاد إلى مسقط رأسه. وفي الموصل أنشأ كمال الدين بن يونس المدرسة الكمالية، وصار يدرس فيها العلوم الشرعية واللغوية والعلوم التجريبية، حتى رحل إلى جوار ربه.
كان كمال الدين يدرس طلابه كلا من علم الحساب وعلم الجبر والمقابلة في المدرسة الكمالية بالموصل حيث كان يرى أن العلوم الرياضية ضرورية لدراسة العلوم التجريبية والفلسفة، بل كان يعتقد أن العلوم الرياضية العمود الفقري لجميع العلوم. وقد اشتهر كمال الدين بن يونس بأخلاقه وعلمه، فكان متفرغا للتدريس والبحث العلمي والإجابة على الأسئلة التي ترد إليه من بغداد ومن جميع بلاد العالم، إذ كان يرى أن العلم يزكو بالإنفاق.
وجد كمال الدين بن يونس في البحث والاستقصاء لذة، فذهب يبحث عنها في شتى المعارف والعلوم فاهتم بهندسة إقليدس، لصلتها الوثيقة بالعلوم التجريبية وخاصة علم الفلك. وألف كتابا في الهندسة يحتوي على المخروطات والمتوسطات وحل المسألة التي تتعلق بإنشاء مربع يكافئ قطعة من دائرة.
كما درس كمال الدين بن يونس علم الكيمياء عن قرب، لارتباطها بعلم الطب، وألف كتابا يجمع فيه بين الكيمياء والطب سماه كتاب لغز في الحكمة نال به استحسان معاصريه.
وفي علم الفلك قطع شوطا بعيدا، فشرح كتاب المجسطي لبطليموس شرحا وافيا، وألف كتابه الأسرار السلطانية في النجوم ، فذاع صيته في المعمورة وصار طلاب العلم يأتون من كل فج للتتلمذ عليه، حيث كان حجة في هذا الميدان. كما قام برصد الكواكب والأجرام السماوية في الموصل مما دعاه إلى تأليف كتاب عن الأسطرلاب ، لكي يستخدمه في إرصاده هناك. وعمل كمال الدين بن يونس آلة سماها البركار التام لرسم أنوا ع المخروطات الهندسية التي كان يعتمد عليها في علم الفلك، وقد استفاد علماء العرب والمسلمين من هذه الآلة فائدة عظيمة عبر التاريخ.
كما تعددت مواهب كمال الدين فكان له صولة وجولة في الأدب، والشعر. وكان من المغرمين بقراءة قصص الوقائع التاريخية، فكان ينقلها لطلابه، كي يرفه عنهم خلال المحاضرة، لذا كانت دائما دروسه مزدحمة بالطلاب. وبسبب شهرة تلك لم يترك سبيله الحساد، والمقصرون والحاقدون، بل لفقوا له تهما بعيدة كل البعد عن الصواب، وصاروا يتحينون الفرصة لإيقاعه عند ولاة الأمر آنذاك.
ترك كمال الدين بن يونس عددا كبيرا من المؤلفات في شتى فروع المعرفة من أشهرها بالإضافة لما ذكر: كتاب كشف المشكلات وإيضاح المعضلات في تفسير القرآن ، وكتاب شرح كتاب التنبيه في الفقه ، وكتاب مفردات ألفاظ القانون ، وكتاب عيون المنطق ، ورسالة في المخروطات ورسالة في المربعات السحرية

ليست هناك تعليقات: