2009/08/14

مميزات النظام العددي الحالي

مميزات النظام العددي الحالي

هكذا كانت رحلة الأعداد في تطورها، وتحدثت صفحات التاريخ عن نظم عددية مختلفة، ارتبط كل منها بحضارة من الحضارات القديمة، أهمها حضارات المصريين والبابليين والإغريق والرومان والهنود والعرب، إلا أن كلاً من هذه الحضارات كانت تضع لبنة، أو لبنات في بناء ذلك النظام العددي الذي يسود عالمنا المتحضر اليوم، وهو النظام الذي طغى على ما سبقه من نظم، حتى أصبح لغة عالمية واحدة، في كافة أرجاء العالم، في حين لم تصل اللغات بعد إلى ما يشبهها، ولولا الأرقام لما وجد اليوم دليل تليفونات، أو قائمة أسعار، أو تقارير للبورصة، ولما وجد هذا الصرح الشامخ من علوم الرياضة، والطبيعة، والفلك، بل لما وجدت الطائرات، التي تسبق الصوت، أو صواريخ الفضاء.

وفي عصرنا هذا أصبح في استطاعتنا أن نكتب ما نشاء من الأعداد، بالغة ما بلغت من الكبر، سواء أكانت تمثل نفقات الحرب بالمليمات، أم الأبعاد الفلكية بالبوصات، بمجرد كتابة العدد اللازم من الأصفار على يمين عدد ما، وتستطيع أن تستمر في كتابة الأصفار حتى تكل يدك، وتكون قد كتبت، بدون أن تدري، عدداً يزيد حتى عن عدد الذرَّات التي بالكون، والذي يبلغ بهذه المناسبة: 3 وأمامها 74 صفراً

وتستطيع أن تكتب هذا العدد بالصورة المختصرة 3×10 74 والعدد 74 المكتوب أعلى 10 إلى اليسار يدل على عدد الأصفار المكتوبة، أو بعبارة أخرى، إن 3 يجب أن تُضرب في 10 أربعاً وسبعين مرة.

يتميز النظام العددي الحالي بعدة مميزات، يمكن إيجازها فيما يلي:

1. استخدام تسعة أرقام والصفر:

باستخدام تسعة أرقام والصفر يمكن كتابة أي عدد مهما كانت قيمته، سواء أكان عدداً صحيحاً أم كسراً. ولسنا في حاجة لمعرفة أكثر من هذه الرموز العشرة لنبني منها الأعداد مهما بلغت قيمتها، بينما إذا نظرنا إلى النظم العددية القديمة، لوجدنا رموزاً مختلفة يتحتم حفظها لكتابة الأعداد الكبيرة، ومهما كبر العدد احتجنا إلى رموز أكثر، إلى جانب وجود تشكيلات مختلفة لهذه الرموز والعلاقة بينها، فالرمز الدال على العدد 5 في النظام العددي الروماني ـ مثلاً ـ لا علاقة له بالرمز الدال على 50 أو 500 أو 5000

2. الترتيب والقيمة المكانية للرقم

يتميز النظام العددي الحالي بترتيب ثابت، لا يتغير: فمثلاً تأتي 4 قبل 5، و5 قبل 6، و8 بعد 7، وهكذا في أرقام الآحاد، والعشرات، والمئات..الخ، وهذا الترتيب الموضعي للرقم في غاية الأهمية؛ لأنه يبين قيمة العدد عند مقارنته بغيره من الأعداد، ويبين تدّرج الأعداد. وتختلف قيمة الرقم تبعاً لوضعه المكاني في العدد، فمثلاً العدد 4444 مكوّن من رمز واحد متكرر، وهو 4، لكن قيمة ال 4 تختلف حسب مكانها، فالأولى 4 وحدات، والثانية 4 عشرات، والثالثة 4 مئات، والرابعة 4 آلاف. وما ينطبق على هذا الرقم ينطبق على غيره من الأرقام في مختلف الأعداد. ولا ريب أن الصفر هو الذي سهل استخدام الخاصية المكانية للرقم، وسهل كتابة الأعداد، وإجراء العمليات المختلفة. فالعلاقة ـ مثلاً ـ بين 5 و 6 تعطي نفس المعنى بين 50 و 60، وبين 500 و 600 وهكذا. أي أن فكرة الآحاد تسري على العشرات والمئات والآلاف ... الخ. وهذا يساعد في سهولة تدريس الحساب للتلاميذ في المدارس؛ فمثلاً إذا عرف التلميذ مجموع 3 و 4 فإنه يستطيع بالطريقة نفسها، أن يجمع 30 و 40، ثم 300 و 400 وهكذا. وما ينطبق على جمع 7 و 5 لتساوي 12، ينطبق على 70 + 50 لتساوي 120، ثم 700 + 500 لتساوي 1200. وكذلك في الطرح والضرب والقسمة.

3. الأساس 10

أساس النظام العددي الحالي هو العشرة، أي أننا بعد الأرقام التسعة الأولى، نكوِّن وحدة من عشرة، ونجمع بعد ذلك في وحدات من عشرات.

أكبر عدد والسطر المطبوع.

لعل أكبر عدد تناولته الأقلام بالذكر هو الذي يتعلق بمشكلة "السطر المطبوع" المشهورة. ولتوضيح ذلك نفرض أننا صنعنا آلة طباعة، تطبع بصورة مستمرة سطراً بعد آخر، وتختار، من تلقاء نفسها، لكل سطر ترتيباً مختلفاً من الحروف ورموز الكتابة. وتحتوي مثل هذه الآلة على عدد من الأقراص المستقلة للحروف والرموز، وتتصل الأقراص ببعضها، بحيث إذا دار قرص تحركت الأقراص التالية.

وتتحرك المطبعة، وتتابع السطور المطبوعة تلقائياً، حيث تُطبع جميع الترتيبات الممكنة لها للحروف والرموز. إننا عندئذ سنجد جُملاً كثيرة لها معنى، وجملاً أخرى لا معنى لها مثل: "أحب التفاح مطبوخاً في النفط"، أو "سمك لبن تمر هندي". وستطبع هذه المطبعة الآلية كل ما كُتب منذ أن عرف الناس الكتابة، من شعر ونثر، ومقالات، وإعلانات في الصحف، وجميع الكتب العلمية، والخطابات الغرامية، والفواتير المختلفة. بل، أكثر من ذلك، ستطبع كل ما سوف يُكتب في القرون العديدة القادمة، من شعر أو نثر، واكتشافات المستقبل، وحوادث التصادم، في طرق المواصلات، بين الكواكب عام 2541، على سبيل المثال، وصفحات من الأقاصيص والروايات. فإذا حسبنا عدد السطور، التي سوف تطبعها تلك الآلة، وتتضمن جميع الترتيبات الممكنة للحروف والرموز الكتابية الأخرى، إذا أخذنا في اعتبارنا أن عدد الحروف الهجائية 28 حرفاً، وبإضافة الهمزة تكون تسعة وعشرين حرفاً، وعدد الأرقام العشرة (من صفر إلى 9)، وإذا فرضنا ان عدد الرموز الأخرى، كعلامات الوقف، والتعجب، والفاصلة، والأقواس، يبلغ أحد عشر رمزاً، كانت جملة كل ذلك خمسين حرفاً ورمزاً. ولنفرض أن الآلة الطابعة بها 65 أسطوانة تناظر متوسط ما يتسع له السطر الواحد، وهو 65 مكاناً. ولما كان السطر الواحد يمكن أن يبدأ بأي واحد من تلك الرموز والحروف، فثمة 50 طريقة لشغل المكان الأول. ولكل طريقة من هذه الطرق 50 طريقة لشغل المكان الثاني، وبذلك يكون عدد طرق شغل المكانين الأول والثاني معاً 50 × 50 أي 2500 طريقة. ولكل ترتيب من هذه الترتيبات 50 طريقة لشغل المكان الثالث، وهكذا، فجملة الترتيبات المختلفة التي يمكن أن يُشغل بها السطر كله تبلغ 65 مرة / 50×50×50× ... ×50

أو 50 65، وهذا يساوي 10 110. ولكي ندرك ضخامة هذا العدد نفرض أن لدينا مطابع آلية بقدر عدد الذرات التي بالكون أي 3×10 74 مطبعة تعمل كلها معاً. ولنفرض مثلاً أن هذه المطابع بدأت العمل منذ 3 بليون سنة، (أي 10 17 ثانية) بلا توقف، وأنها تطبع بمعدل الذبذبات الذرية أي 10 15 سطراً في الثانية الواحدة، فيكون عدد الأسطر التي تم طبعها إلى الآن هو 3×10 74×10 17×10 15= 3×10 106 سطراً تقريباً، وهو يساوي جزءاً من ثلاثة آلاف جزء من عدد الأسطر كلها!!

وهذا المثال يقصد أنه توجد أعداد لا نهائية، وهي أكبر من أي عدد يمكننا كتابته مهما أطلنا في الكتابة، ومن الواضح مثلاً أن عدد "جميع الأعداد" لا نهائي، وكذلك عدد النقط الواقعة على مستقيم ما. لا يمكن معرفة شيء عن هذه الأعداد سوى أنها لا نهائية، بل إن الأعداد الفردية وحدها لا نهائية، والأعداد الزوجية وحدها لا نهائية. فسبحان الذي أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً.

ليست هناك تعليقات: